فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا}.
أسكن ابن عامر، وحمزة، والكسائي ياء {عبادي}.
قوله تعالى: {يقيموا الصلاة} قاله ابن الأنباري: معناه: قل لعبادي: أقيموا الصلاة وأنفِقوا، يقيموا وينفقوا، فحُذف الأمران، وتُرك الجوابان، قال الشاعر:
فأيُّ امرىءٍ أَنْتَ أَيُّ امْرِىءٍ ** إِذا قِيْلَ في الحَرْبِ من يُقْدِمُ

أراد: إِذا قيل: من يُقدم تُقْدِمُ.
ويجوز أن يكون المعنى: قل لعبادي أقيموا الصلاة، وأنفقوا، فصُرف عن لفظ الأمر إِلى لفظ الخبر.
ويجوز أن يكون المعنى: قل لهم ليُقيموا الصلاة، وليُنفقوا، فحذف لام الأمر، لدلالة {قل} عليها.
قال ابن قتيبة: والخِلال مصدر خالَلْت فلانًا خلالًا ومُخالَّة، والاسم الخُلَّة، وهي الصداقة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ}.
أي إن أهل مكة بدّلوا نعمة الله بالكفر، فقل لمن آمن وحقّق عبوديته أن {يُقِيمُواْ الصلاة} يعني الصلوات الخمس، أي قل لهم أقيموا، والأمر معه شرط مقدّر، تقول: أطع الله يُدخلْك الجنة؛ أي إن أطعته يدخلْك الجنة؛ هذا قول الفراء.
وقال الزجّاج: {يُقِيمُوا} مجزوم بمعنى اللام، أي ليقيموا فأسقطت اللام لأن الأمر دلّ على الغائب ب {قل}.
قال: ويحتمل أن يقال: {يُقِيمُوا} جواب أمر محذوف؛ أي قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة.
{وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} يعني الزكاة؛ عن ابن عباس وغيره.
وقال الجمهور: السرّ ما خفي والعلانية ما ظهر.
وقال القاسم بن يحيى: إن السرّ التطوع والعلانية الفرض، وقد مضى هذا المعنى في البقرة مجوّدًا عند قوله: {إِن تُبْدُواْ الصدقات فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271].
{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} تقدم في البقرة أيضًا.
و{خِلاَلٌ} جمع خلة كقُلّة وقِلال.
قال:
فلستُ بمَقْليِّ الخِلاَلِ ولا قَاليِ

. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}.
يعني يقيموا الصلاة الواجبة، وإقامتها إتمام أركانها {وينفقوا مما رزقناهم} قيل أراد بهذا الإنفاق إخراج الزكاة الواجبة، وقيل: أراد به جميع الإنفاق في جميع وجوه الخير والبر وحمله على العموم أولى ليدخل فيه إخراج الزكاة، والإنفاق في جميع وجوه البر {سرًا وعلانية} يعني ينفقون أموالهم في حال السر وحال العلانية، وقيل: أراد بالسر صدقة التطوع وبالعلانية إخراج الزكاة الواجبة {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} قال أبو عبيدة: البيع هنا الفداء يعني لا فداء في ذلك اليوم {ولا خلال} يعني ولا خلة، وهي المودة والصداقة التي تكون مخاللة بين اثنين.
وقال مقاتل: إنما هو يوم لا بيع فيه ولاشراء مخاللة ولا قرابة، إنما هي الأعمال إما أن يثاب بها أو يُعاقَب عليها.
فإن قلت كيف نفى الخلة في هذه الآية، وفي الآية التي في سورة البقرة وأثبتها في قوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} قلت: الآية الدالة على نفي الخلة محمولة على نفي الخلة الحاصلة، بسبب ميل الطبيعة، ورعونة النفس، والآية الدالة على حصول الخلة وثباتها محمولة على الخلة الحاصلة بسبب محبة الله ألا تراه أثبتها للمتقين فقط، ونفاها عن غيرهم.
وقيل: إن ليوم القيامة أحوالًا مختلفة، ففي بعضها يشتغل كل خليله عن خليله وفي بعضها يتعاطف الأخلاء بعضهم على بعض إذا كانت تلك المخالة لله في محبته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً}.
لما ذكر تعالى حال الكفار وكفرهم نعمته، وجعلهم له أندادًا، وتهددهم أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم، وإلزام عمودي الإسلام الصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة.
ومعمول قل، محذوف تقديره: أقيموا الصلاة يقيموا.
ويقيموا مجزوم على جواب الأمر، وهذا قول: الأخفش، والمازني.
ورد بأنه لا يلزم من القول إنْ يقيموا، ورد هذا الردّ بأنه أمر المؤمنين بالإقامة لا الكافرين، والمؤمنون حتى أمرهم الرسول بشيء فعلوه لا محالة.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون يقيموا جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله: قل وذلك أن تجعل قل في هذه الآية بمعنى بلّغ وأدّ الشريعة يقيموا الصلاة انتهى.
وهذا قريب مما قبله، إلا أن في ما قبله معمول القول: أقيموا، وفي هذه الشريعة على تقدير بلِّغ الشريعة.
وذهب الكسائي والزجاج وجماعة إلى أن معمول قل هو قوله: يقيموا، وهو أمر مجزوم بلام الأمر محذوفة على حد قول الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفس

أنشده سيبويه إلا أنه قال: إنّ هذا لا يجوز إلا في الشعر.
وقال الزمخشري في هذا القول: وإنما جاز حذف اللام لأن الأمر الذي هو قل، عوض منه.
ولو قيل: يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام، لم يجز انتهى.
وذهب المبرد إلى أنّ التقدير: قل لهم أقيموا يقيموا، فيقيموا المصرح به جواب أقيموا المحذوف قيل.
وهو فاسد لوجهين: أحدهما: أنّ جواب الشرط يخالف الشرط إما في الفعل، أو في الفاعل، أو فيهما.
فأما إذا كان مثله فيما فهو خطأ كقولك: قم يقم، والتقدير على هذا الوجه: أن يقيموا يقيموا.
والوجه الثاني: أن الأمر المقدر للمواجهة ويقيموا على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدًا.
وقيل: التقدير أن تقل لهم أقيموا يقيموا قاله سيبويه فيما حكاه ابن عطية.
وقال الفراء: جواب الأمر معه شرط مقدر تقول: أطع الله يدخلك الجنة، أي إن تطعه يدخلك الجنة.
ومخالفة هذا القول للقول قبله أنَّ الشرط في هذا مقدر بعد فعل الأمر، وفي الذي قبله الأمر مضمن معنى الشرط.
وقيل: هو مضارع بلفظ الخبر صرف عن لفظ الأمر، والمعنى: أقيموا، قاله أبو علي فرقة.
ورد بأنه لو كان مضارعًا بلفظ الخبر ومعناه الأمر، لبقي على إعرابه بالنون كقوله: {هل أدلكم على تجارة} ثم قال: {تؤمنون} والمعنى: آمنوا.
واعتل أبو علي لذلك بأنه لما كان بمعنى الأمر بني يعني: على حذف النون، لأن المراد أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك: يا زيد، يعني على الضمة لما شبه بقبل وبعد. انتهى.
ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق، إلا في قول ابن عطية فمتعلقه الشريعة فهو أعم، إذ قدر قُلْ بمعنى بلِّغ وأدّ الشريعة.
قال ابن عطية: ويظهر أن المقول هو الآية التي بعد أعني قوله: {الله الذي خلق السموات والأرض} انتهى.
وهذا الذي ذهب إليه من كون معمول القول هو قوله تعالى: {الله الذي} الآية تفكيك للكلام، يخالفه ترتيب التركيب، ويكون قوله: {يقيموا الصلاة} كلامًا مفلتًا من القول ومعموله، أو يكون جوابًا فصل به بين القول ومعموله، ولا يترتب أن يكون جوابًا، لأن قوله: {الله الذي خلق السموات والأرض}، لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدًا.
واحتمل الصلاة أنْ يراد بها العموم أي: كل صلاة فرض وتطوع، وأن يراد بها الخمس، وبذلك فسرها ابن عباس وفسر الإنفاق بزكاة الأموال.
وتقدم إعراب {سرا وعلانية} وشرحها في أواخر البقرة.
وقال أبو عبيدة: البيع هنا البذل، والخلال المخالة، وهو مصدر من خاللت خلالًا ومخالة وهي المصاحبة انتهى.
ويعني بالبذل مقابل شيء.
وقال امرؤ القيس:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ** ولست بمقلي الخلال ولا قال

وقال الأخفش: الخلال جمع خلة.
وتقدم الخلاف في قراءة {لا بيع فيه ولا خلال} بالفتح أو بالرفع في البقرة، والمراد بهذا اليوم يوم القيامة.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال؟ قلت: من قبل أنّ الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات، فيعطون بدلًا ليأخذوا مثله، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستخرجوا بهداياهم أمثالها وخيرًا منها، وأما الإنفاق لوجه الله خالصًا كقوله: وما لا حد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي: لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ}.
خصهم بالإضافة إليه تنويهًا لهم وتنبيهًا على أنهم المقيمون لوظائفِ العبودية الموفون بحقوقها، وتركُ العاطف بين الأمرين للإيذان بتباين حالِهما باعتبار المقول تهديدًا وتشريفًا، والمقولُ هاهنا محذوفٌ دل عليه الجوابُ أي قل لهم أقيموا وأنفقوا {يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أي يداوموا على ذلك، وفيه إيذانٌ بكمال مطاوعتِهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم وغايةِ مسارعتِهم إلى الامتثال بأوامره، وقد جوّزوا أن يكون المقولُ يقيموا وينفقوا بحذف لام الأمرِ عنهما، وإنما حسُن ذلك دون الحذف في قوله:
محمدُ تَفدِ نفسَك كلُّ نفس ** إذا ما خِلفْتَ من أمر تَبالا

لدلالة قل عليه، وقيل: هما جوابا أقيموا وأنفقوا قد أقيما مُقامهما وليس بذاك {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} منتصبان على المصدرية من الأمر المقدرِ لا من جواب الأمر المذكور أي أنفقوا إنفاق سرَ وعلانية، والأحبُّ في الإنفاق إخفاءُ المتطوَّع به وإعلانُ الواجب، والمرادُ حث المؤمنين على الشكر لنعم الله سبحانه بالعبادة البدنية والماليةِ وتركِ التمتعِ بمتاع الدنيا والركونِ إليها كما هو صنيعُ الكفرة {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} فيبتاعَ المقصِّر ما يتلافى به تقصيرَه أو يفتدي به نفسَه، والمقصودُ نفيُ عقدِ المعارضة بالمرة، وتخصيصُ البيعِ بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقدِ إذ انتفاءُ البيع يستلزم انتفاءَ الشراء على أبلغ وجهٍ، وانتفاؤُه ربما يتصور مع تحقق الإيجابِ من قبل البائع {وَلاَ خلال} ولا مخالّةٌ فيشفعَ له خليلٌ أو يسامحَه بمال يفتدي به نفسه أو من قبل أن يأتي يومٌ لا أثرَ فيه لما لهَجوا بتعاطيه من البيع والمخالّة ولا انتفاعَ بذلك، وإنما الانتفاعُ والارتفاقُ فيه بالإنفاق لوجه الله سبحانه، والظاهرُ أن من متعلقة بأنفِقوا وتذكيرُ إتيانِ ذلك اليوم لتأكيد مضمونِه كما في سورة البقرة من حيث إن كلًا من فقدان الشفاعةِ وما يُتدارك به التقصير معاوضةً وتبرعًا، وانقطاعُ آثار البيع والخِلالِ الواقعَيْن في الدنيا وعدمُ الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائدُه وتدوم فوائدُه من الإنفاق في سبيل الله عز وجل، أو من حيث أن ادخارَ المال وتركَ إنفاقِه إنما يقع غالبًا للتجارات والمُهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجهَ لادّخاره إلى وقت الموت، وتخصيصُ التأكيد بذلك لميل الطباعِ إلى المال وكونها مجبولةً على حبه والضَّنةِ به، ولا يبعُد أن يكون تأكيدًا لمضمون الأمرِ بإقامة الصلاة أيضًا من حيث إن تركَها كثيرًا ما يكون بالاشتغال بالبياعات والمُخالاّت كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} وقرئ بالفتح فيهما على إرادة النفي العام ودَلالةِ الرفعِ على ذلك باعتبار خطابيَ هو وقوعُه في جواب هل فيه بيعٌ أو خلال؟. اهـ.

.قال الألوسي:

ثم إنه تعالى لما هدد الكفار وأشار إلى أنهماكهم في اللذة الفانية أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر خلص عباده بالعبادة البدنية والمالية فقال سبحانه: {قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ}.
وخصهم بالإضافة إليه تعالى رفعًا لهم وتشريفًا وتنبيهًا على أنهم المقيمون لوظائف العبودية الموفون بحقوقها، وترك العطف بين الأمرين للإيذان بتباين حالهم تهديدًا وغيره، ومقول القول على ما ذهب إليه المبرد والأخفش والمازني محذوف دل عليه {يُقِيمُواْ} أي قال لهم: أقيموا الصلاة وأنفقوا.
{يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} والفعل المذكور مجروم على أنه جواب قلذ عندهم.
وأورد أنه لا يلزم من قوله عليه الصلاة والسلام: أقيموا وأنفقوا أن يفعلوا.
ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانًا بكمال مطاوعتهم يفعلوا.
ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانًا بكمال مطاوعتهم وغاية مسارعتهم إلى الامتثال، ويشد عضد ذلك حذف المقول لما فيه من إيهام أنهم يفعلون من غير أمر، على أن مبنى الإيراد على أنه يشترط في السببية التامة وقد منع.
وجعل ابن عطية قل بمعنى بلغ وأد الشريعة والجزم في جواب ذلك.
وهو قريب مما تقدم.
وحكى عن أبي علي.
وعزى للمبرد أن الجزم في جواب الأمر المقول المحذوف، وتعقبه أبو البقاء بأنه فاسد لوجهين: الأول أن جواب الشرط لابد أن يخالف فعل الشرط اما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما فإذا اتحدا لا يصح كقولك: قم تقم إذا التقدير هنا إن يقيموا يقيموا.
والثاني أن الأمر المقدر للمواجهة والفعل المذكور على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدًا.
وقيل عليه: إن الوجه الأول قريب، وأما الثاني فليس بشيء لأنه يجوز أن تقول: قل لعبدك أطعني يطعك وإن كان للغيبة بعد المواجهة باعتبار حكاية الحال.
وعن أبي علي وجماعة أن {يقيموا} خبر في معنى الأمر وهو مقول القول.
ورد بحذف النون وهي في مثل ذلك لا تحذف، ومنه قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم} إلى قوله سبحانه: {تُؤْمِنُونَ} [الصف: 10، 11] إذ المراد منه آمنوا، والقول بأنه لما كان بمعنى الأمر بني على حذف النون كما بنى الاسم التمكن في النداء على الضم في نحو يا زيد لما شبه بقبل وبعد وما لم يبن إنما لوحظ فيه لفظه مما لا يكاد يلتفت إليه، وذهب الكسائي والزجاج وجماعة إلى أنه مقول القول وهو مجزوم بلام أمر مقدرة أي ليقيموا وينفقوا على حد قول الأعشى:
محمد تفد نفسك كل نفس ** إذا ما خفت من أمر تبالا

وأنت تعلم أن اضمار الجازم أضعف من إضمار الجار إلا أن تقدم {قُلْ} نائب منابه؛ كما أن كثرة الاستعمال في أمر المخاطب ينوب مناب ذلك، والشيء إذا كثر في موضع أو تأكد الدلالة عليه جاز حذفه، منه حذف الجار من أني إذا كانت بمعنى من أين، وبما ذكرنا من النيابة فارق ما هنا ما في البيت فلا يضرنا تصريحهم فيه بكون الحذف ضرورة، وعن ابن مالك أنه جعل حذف هذه اللام على أضرب قليل وكثير ومتوسط، فالكثير أن يكون قبله قول بصيغة الأمر كما في الآية، والمتوسط ما تقدمه قول غير أمر كقوله:
قلت لبواب لديه دارها ** تيذن فإني حمها وجارها

والقليل ما سوى ذلك.